مؤسسة القرآن و نهج البلاغة

Quran and Nahj al_Balaghah Institute

خطبة و كلمات

خطبة و كلمات
اشتراک گذاری در telegram
اشتراک گذاری در whatsapp
اشتراک گذاری در print

خطبة و كلمات

 

خطبة و كلمات: من المزايا الفريدة لعلي رضازاده جويباري هو قدرته على الخطابة. فقلما تُشاهد هذه الميزة في غيره من الحافظين الصغار. وقد صنعت الخطب الرصينة التي يلقيها منه شخصية خالدة في داخل البلاد وخارجها.
فهذا البرعم يستطيع وبقدرة كبيرة أن يأتي للموضوع الذي يطرحه في الخطبة بأدلة من الآيات والأحاديث الصحيحة التي تدعمه، وأي دليل أقوى من هذه. وهو يلقي خطبه في الجموع الغفيرة بلغة يسيرة وثقة كبيرة يضرب بها المثل كأنه يتحدث إلى أصحابه المقربين!

إحاطته الملفتة بالآيات والأحاديث النبوية ونهج البلاغة تثير العجب لدى السامعين، وإذا تلا آية من آيات الله أو فقرة من نهج البلاغة ـ بلسان عربي فصيح ـ ترى الدمع يفيض من أعين الحاضرين، فكلامه الذي يخرج من القلب يسكن في القلب.
وقد انعكست ميزته الفريدة هذه من خلال البرامج التعليمية التي أقامها في القناة الثانية والرابعة لتلفزيون الجمهورية الإسلامية والتي تجاوزت المئة، وهذا كله من ثمار حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية ونهج البلاغة وغيرها. هذا الحفظ الذي تحول إلى علم وآل إلى تدبّر وفهم، كما يقول الإمام علي في الخطبة 189 من نهج البلاغة من أن الله تعالى جعل القرآن “علماً لمن وعى”.

 

 

و لعلي خطب و كلمات جميلة في داخل البلاد وخارجها، نقدم لكم هنا ثلاثاً منها كنموذج:

 

 

 

 

مكانة الزهراء (س)
خطبته في مرقد السيدة رقية (سوريا 2001م)

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

قال الله الحكيم في كتابه الكريم:
“إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً.
كما تعلمون أن هذه الأيام والليالي هي ذكرى شهادة سيدة النساء، سيدة نساء العالمَين، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها.
والحديث عن فضائل الزهراء وشخصيتها وامتيازاتها هو في الحقيقة حديث عن قدرات المرأة ومكانتها في الإسلام والقرآن، وحياة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ المفعمة بالنور هي وحدها تعكس أن بمقدور المرأة بلوغ مقامات سامية. فأدبها وانصياعها لوالدها وزوجها والاحترام والحب الفريد الذي كان يكنّه لها والدها، وتربيتها لأولادها وكل أخلاقياتها وعبادتها، هي دروس وتعاليم للمسلمين.

فاطمة ـ سلام الله عليها ـ هي مثل أعلى للنساء، ومن الجدير بالنساء أن يقتدين بهذه السيدة المصطفاة من أجل سلوك مدارج الرقي والكمال. السيدة فاطمة هي التي يذكرها الله تعالى في القرآن بالكوثر والتي منحها رسول الله أرض فدك في ضوء الآية: “وآت ذا القربى حقه” (12) وكان يقف بعد نزول آية التطهير مراراً إلى جانب دارها ويرفع صوته قائلاً: السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته. وبعد السلام يتلو هذه الآية: “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً”. (13)

وفاطمة كانت أحد الذين رافقوا النبي لمباهلة مسيحيي نجران، وهي التي نزلت فيها وفي زوجها وأبنائها الآيتان: “ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً” و” إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً”. (14)
كان رسول الله (ص) يقبل يدها ويُجلسها في مكانه ويلقبها بـ “أم أبيها” ويقول: “أنت سيدة نساء العالمين”.

أجل كانت فاطمة عصارة وجود النبي. الأب الذي عرّفه الله تعالى بأنه صاحب “خلق عظيم” وهو الذي لا يتكلم بدافع من هواه أو ميولاته بتصديق من القرآن الكريم حيث يقول: “وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يُوحى”. (15) فكل ما كان يقوله النبي هو عن الله تعالى.

نعم، رافقت فاطمة ـ عليها السلام ـ الإسلام والقرآن وعاشت في أجواء الوحي والنبوة. ولم تنقطع حياتها عن حياة النبي، فحتى بعد الزواج كان بيتها متصلاً ببيت النبي وكان النبي يتردد عليها أكثر مما يتردد على أي شخص آخر.
يقول خادم النبي (ص) كلما أراد الرسول السفر، كان آخر من يودعه هو فاطمة وإذا عاد كان أول من يأتي للقائه هو فاطمة. نشأت فاطمة خلال السنوات الخمس الأولى من عمرها في أحضان أم كريمة مضحية هي السيدة خديجة. هذه الأم كانت المرأة الأولى في الإسلام والتي اعتبرها الرسول (ص) إحدى أفضل نساء هذه الأمة. يروي الشيعة والسنة عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: “كان النبي (ص) إذا ذكر خديجة أحسن الثناء عليها فقلت له يوماً ما تذكر منها وقد أبدلك الله خيراً منها”!
فتأثر رسول الله لهذا الحديث وقال: “ما أبدلني الله خيراً منها، صدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله الولد منها ولم يرزقني من غيرها”.

نعم، فاطمة هي ذكرى تلك الأم وابنة هذا النبي. إن الشخصية الإلهية لسيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام هي أرفع من أن ندركها. هي السيدة التي يُعتبر حبها وولايتها وولاية أهل بيتها من فرائض الدين. هي السيدة التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها.

وهذا الكلام يقوم على أساس أحاديث كثيرة يرويها الشيعة والسنة في كتبهم المعتمدة.

هناك روايات متواترة تحكي أن الإمام علياً (ع) والسيدة فاطمة (ع) والإمامين الحسن والحسين وخادمتهم صاموا ثلاثة أيام وفاءً بنذر نذروه. في الليلة الأولى، طرق مسكين الباب عند الإفطار، فأعطاه الإمام علي (ع) إفطاره، فتابعه البقية وأعطوا إفطارهم للفقير وأفطروا هم على الماء. وفي الليلة الثانية طرق الباب يتيم فأعطوه طعامهم. وفي الليلة الثالثة جاء أسير. فكانوا قد أعطوا خلال هذه الأيام الثلاثة جميعاً إفطارهم إلى المسكين واليتيم والأسير. عند ذلك أنزل الله تعالى سورة الإنسان التي تحكي عن إيثارهم بقوله تعالى: “ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً”. (16)

كما أنه يعترف كل الرواة من الشيعة والسنة بأن الزهراء (س) هي أحد الخمسة الذين كانوا عند مباهلة النبي لمسيحيي نجران، وهذا ما يُعدّ فضيلة كبرى بحد ذاته، بالإضافة إلى أنه من أقوى الأدلة على أن أهل بيت النبي المعصومين هم علي وفاطمة والحسن والحسين (ع) ولا يشاركهم في ذلك بقية أقرباء ونساء النبي. ولأذكر لكم هنا موجز قضية المباهلة:
جاءت مجموعة من مسيحيي نجران إلى النبي (ص) وحاوروه حول السيد المسيح (ع). فتلا النبي (ص) في جوابهم الآية التاسعة والخمسين من سورة آل عمران: ” إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب”. أي أن مثل النبي عيسى المخلوق من دون أب مثل النبي آدم الذي خلقه الله من تراب من دون أب ولا أم.
إلا أن المسيحيين لم يقتنعوا بذلك ورفضوه. فنزلت آية المباهلة على النبي وجاء أمر الله تعالى: “فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين”. (17)

ولكنهم بعد أن قاموا من عند النبي أخذوا يتحدثون فيما بينهم وقالوا: “انظروا محمداً في غد فإن غدا بولده وأهله فاحذروا مباهلته وإن غدا بأصحابه فباهلوه”، بمعنى أن يدعو الطرفان الله بإنزال اللعنة والعذاب على الطرف المُبطل.

كل التفاسير والكتب المعتمدة الشيعية والسنية ذكرت أن الرسول جاء في اليوم التالي ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين ـ سلام الله عليهم ـ لغرض المباهلة وجلس على الأرض في مقابل المسيحيين وأشار إلى أهل بيته أن يؤمّنوا على دعائه. فخاف المسيحيون مما رأوا واعترفوا أن طريقته تشبه طريقة الأنبياء وطلبوا منه أن يتخلى عن مباهلتهم ويصالحهم، فرجعوا من بعد أن صالحهم على قدر من المال.

إلا أن أهل البيت (ع) عانوا من بعد وفاة النبي ألوان المصائب، وكانت حياة الزهراء (س) قد بلغت حداً لا يطاق. فوفاة النبي (ص) من ناحية والتصرف المهين من قبل بعض الصحابة تجاه الإمام علي والزهراء (س)، إلى جانب مشاكل أخرى، أدت جميعاً إلى أن نقرأ في التاريخ:
عاشت الزهراء (س) من بعد النبي (ص) مغمومة باكية على الدوام. وكان بكاؤها لا نهاية له بحيث أن بعض أهل المدينة جاءوا إلى الإمام علي (ع) وطلبوا منه أن يقول للزهراء إما أن تبكي نهاراً وتهدأ ليلاً وإما أن تبكي ليلاً وتهدأ نهاراً!
وأخيراً أدت الصدمات التي توالت على هذه السيدة من بعد النبي إلى أن تمرض ويؤول أمرها إلى الشهادة.
نسأل الله تعالى ألا يحرمنا في هذه الدنيا من عناية هذه السيدة وفي الآخرة من شفاعتها، وأن يوفق المسلمين جميعاً لصيانة المثل الإسلامية ووحدة الكلمة. كما نسأل الله تعالى مزيد التوفيق لمسؤولي النظام الإسلامي، ولا سيما قائد الثورة، والسلامة والسعادة لكم جميعاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

 

 

 

منزلة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)
كلمته في مؤتمر الإمام علي (ع) (مازندران 2000م)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
[يقول الشاعر الفارسي]:
باب على الغيب مفتوح علي
كل الكون سفينة ونوحها علي
تلك الروح التي تبعث الحياة
في جسد الوجود هي روح علي

ليس من السهل الحديث عن ثاني شخصية في عالم الإسلام في مؤتمر الإمام علي (ع) وفي جمعكم أنتم عشّاق الولاية. ذلك أن الشخصية العظيمة الرحبة لأمير المؤمنين (ع) هي أوسع وأكثر تنوعاً من أن يستطيع المرء التطرّق إلى مختلف جوانبها.
[يقول الشاعر الفارسي]:
إذا شاء الله يوماً أن يزيّن الكون
لقال لك تجَلَّ أنت وزيّن الكون

أي فرد منصف يمكنه أن يدعي أنه يعرف من أين يبدأ وأي بعد من أبعاد شخصية الإمام يتناول لكي يعكس حقيقة إمام الإنسانية العظيم هذا ويقول في حقه ما يستحق… ولكن:
[يقول الشاعر الفارسي]:
إذا لم تُطق مياه البحر أن تكرع
فبقدر ريّ الظما لا بد أن تقنع

وكما يقول الشاعر:
نقوم بما علينا أمام مقامك لا ندعي شيئاً
عذراً مني إليك وإلا فإن مديحك هل أتى

أجل لم يدرك أحد إلى الآن كنه مولى المتقين سوى ربه ونبيه الأكرم (ص). فعلي قد بلغ درجة من العقيدة والإيمان، والإخلاص والطهر، والتقوى الورع، والعلم والمعرفة، والشهامة والشجاعة، والرأفة والرحمة، والعدالة والإنصاف، وغيرها من القيم الإلهية والإنسانية، بحيث لا يمكن إدراك أبعاد شخصيته بسهولة.
فمن أعظم ممن يقول فيه أحد كبار الماديين من بعد أربعة عشر قرناً: “الإمام علي بن أبي طالب عظيم العظماء نسخة مفردة لم ير لها الشرق ولا الغرب صورة طبق الأصل لا قديماً ولا حديثاً”.
كما يقول جورج جرداق الكاتب المسيحي في كتابه “الإمام علي صوت العدالة الإنسانية”: “وماذا عليك يا دنيا لو حشدت قواك فأعطيت في كل زمن علياً بعقله وقلبه ولسانه وذي فقاره”.

 

وهكذا يقول ابن أبي الحديد المعتزلي ـ العالم السني المعروف ـ في شرح نهج البلاغة: “ما أقول في رجل تُعزى إليه كل فضيلة وتنتهي إليه كل فرقة وتتجاذبه كل طائفة فهو رئيس الفضائل وينبوعها”. ويعتقد الإمام الشافعي في فضيلة الإمام علي (ع) أنه لو أراد أن يكشف عن نفسه كما هو عليه لسجد الناس له جميعاً.
ويتساءل عالم معروف آخر من أهل السنة ـ الخطيب الخوارزمي الأديب الحنفي الشهير ـ عن إمكان وجود رجل كعلي الذي كان يبكي من أعماق قلبه ليلاً وهو يتعبّد، ويدخل غبار ميادين الحرب نهاراً وهو يتبسّم، وهو الذي وضع قدمه على كتف رسول الله وحطّم الأصنام.
نعم [يقول الشاعر الفارسي]:
لم يكن في غاب الخليقة إلاه ضرغام
وكان له على أعداء المصطفى حسام
لم تلد أم الوجود في العالم مثل علي
كأنما ليس في جعبة السماء غيره من سهم

ماذا نقول فيمن قال فيه رسول الله:
“لو اجتمع الناس على حب علي بن أبي طالب لما خلق الله النار” (18)
والأرقى من ذلك كله هو تمجيد القرآن لعلي (ع) في قضية يقبلها الشيعة والسنة. حيث يقول تعالى:
“إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون”.
ومن الآيات الأخرى التي نزلت في علي (ع) وأهل البيت هي آية التطهير:
“إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً”.

وهكذا آيات المباهلة، التبليغ، أولي الأمر، آية خير البرية، سورة الإنسان، آية الإطعام، حادثة الغدير، آية إكمال الدين. وكذا آيات الوزارة وصالح المؤمنين والمودة وعشرات الآيات الأخرى من القرآن الكريم التي تبيّن فضائل أهل بيت النبي ولا سيما الإمام علي (ع).

ومن المناسب هنا في هذا المجلس الجليل أن نستمع إلى عبارات عن فضائل الإمام علي (ع) على لسانه. فهو يقول في الخطبة 234 من نهج البلاغة (لفيض الإسلام):
“ولقد علمتم موضعي من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ بالقرابة القريبة. و المنزلة الخصيصة. وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره. ويَكنفني في فراشه، ويمسني جسده ويُشمني عَرفه. وكان يمضغ الشيء ثم يُلقمنيه. وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل. ولقد قرن الله به ـ صلى الله عليه وآله ـ من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم. ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره. ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه.

يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به. ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وخديجة وأنا ثالثهما. أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة”.

 

يقول ابن أبي الحديد المعتزلي ـ العالم السني المعروف ـ بأن هناك أحاديث صحيحة تحكي عن أن علياً كان مع النبي في المرة الأولى التي نزل فيها جبرئيل إلى النبي، وكان ذلك اليوم هو من أيام الشهر الذي ذهب فيه النبي للعبادة في حراء.
يقول أمير المؤمنين: “ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه ـ صلى الله عليه وآله ـ فقلت يا رسول الله: ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ولكنك لوزير”.

الأمر الذي لا شك فيه ـ وهو غير التأييد واللطف الإلهي الذي له محله ـ هو امتياز الإمام بخصائص لم تكن لرجل غيره من حيث العوامل الطبيعية، أي من حيث الأسرة والوراثة والمحيط والتربية ومرافقة النبي. فقد كان لعلي (ع) أب كمؤمن قريش ـ أي أبي طالب ـ الذي لو لم يكن ثباته وجهوده في الدفاع عن ابن أخيه وتضحياته الجسيمة في سبيل الدعوة الإسلامية لعانى النبي ـ بالتأكيد ـ مصاعب أكثر مما عاناه، وكذا كان له أم كفاطمة بنت أسد من أوائل المؤمنات بالنبي من النساء.

و هكذا تربية علي (ع) على يد معلم ومربٍ كمحمد المصطفى (ص) خاتم الأنبياء. أجل، ترعرع علي (ع) في محيط أخذ من خلاله كل الحقائق والمعارف الإلهية والسجايا والأخلاق الإنسانية الرفيعة عن النبي مباشرة وكان يقتفي أثره في القول والفعل.

[يقول الشاعر الفارسي]:
عليك بالصبر الطويل يا أبا الدهر
لكي تلد أم الزمان ولداً مثلك آخر
لقد أقرّ العدو والصديق بأن علياً (ع) قد جمع كل الصفات الإنسانية الرفيعة وبلغ من العلم والحكمة حداً قال فيه الرسول الأكرم قوله المشهور الذي رواه كل المحدثين والرواة من الشيعة والسنة:
“أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليقتبسه من علي”.
وما أجمل ما قاله الشاعر:
لا يفي بكتاب فضلك ماء بحر زاخر
لأبلل رأس إصبعي وأعدّ الصحائف

إلهي زد في حب علي حبي
وأخرج ما عدا علياً من قلبي
واصفح بلطفك عنا به وبآله
وأملأ القلب الذي لا يحتويه بالدم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فضل القرآن والتعريف بنهج البلاغة
كلمته عند افتتاح مؤسسة القرآن ونهج البلاغة (قم 2002م)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
بدايةً أبارك لكم جميعاً ولادة الإمام الحسن العسكري (ع)، كما أرجو من الله تعالى لطّلاب القرآن التوفيق لاتّباع القرآن وعترة النبي.
من المناسب في حفل افتتاح “مؤسسة القرآن ونهج البلاغة” وفي جمع الأخوة والأخوات وأساتذة القرآن أن أشير لبضع دقائق إلى جوانب من معارف القرآن ونهج البلاغة للإمام علي التي تبعث الحياة في النفوس.

وقبل كل شيء أعتذر من الحضور جميعاً ولا سيما العلماء وأساتذة القرآن لما آخذه من أوقاتهم.

كما تعلمون، القرآن هو كلام الله والمعجزة الخالدة لنبينا محمد (ص). يحتوي هذا الكتاب على مئة وأربع عشرة سورة وستة آلاف ومئتين وست وثلاثين آية تقع في ثلاثين جزءاً.

وما من شك في أننا نتحمل مسؤولية أمام هذا الكتاب العظيم. مسؤوليتنا الأولى هي محاولة تعلّم القرآن وقراءته بشكل صحيح، ثم فهم القرآن وحفظ آياته إنْ أمكن. و بالتالي العمل بأوامر هذا الكتاب السماوي، هذا الكتاب الذي هو معيار ومحك السليم وغير السليم من أفكارنا وأعمالنا وسلوكنا.

يقول رسول الله (ص):

“إن أردتم عيش السعداء وموت الشهداء والنجاة يوم الحسرة والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن فإنه كلام الرحمن حرز من الشيطان ورجحان في الميزان”.
ومن ناحية أخرى يقول رسول الله (ص) حول أهمية تفسير القرآن:
“من استظهر القرآن وحفظه وأحلّ حلاله وحرّم حرامه، أدخله الله به الجنة وشفّعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجب له النار”. (19)

 

و رحم الله الإمام الخميني حيث قال: “القرآن الكريم سفرة فرشها الله سبحانه وتعالى بين البشر بواسطة النبي الأكرم، وعلى كل فرد أن يأخذ منه قدر وسعه”.
طبعاً تأثير القرآن في الشباب هو أبلغ بكثير من تأثيره في غيرهم. يقول الإمام الصادق (ع): “من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه”.

ويقول الإمام علي (ع) في نهج البلاغة واصفاً القرآن: “وتعلّموا القرآن فإنه أحسن الحديث، وتفقّهوا فيه فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور. و أحسنوا تلاوته فإنه أنفع القصص”.

ويقول الإمام علي (ع) في موضع آخر: “ألا إن فيه علم ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم، ونظم ما بينكم”.

ولكن باعتبار أن القرآن كلام الله وليس كتاباً عادياً ولا يتسنّى للناس جميعاً إدراك كل معارفه وعلومه، فإن الروايات الواردة عن الرسول الأكرم والأئمة الطاهرين هي التي تفتح الطريق أمام المسلمين لفهم القرآن الكريم. ولذلك فإن أفضل معيار للفهم الصحيح للقرآن هو ما بلغنا من روايات عن النبي والأئمة المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ حيث أوصى النبي بهذا الأمر مراراً: “إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض”.

من هنا فنحن نضع أهمية كبرى للروايات ولنهج البلاغة إلى جانب القرآن الكريم.
وكتاب نهج البلاغة جمعه وألفه قبل أكثر من ألف عام العالم المتقي السيد الرضي (رحمة الله عليه). طبعاً نهج البلاغة لا يشتمل على كل أقوال الإمام علي (ع)، بل قام السيد الرضي (رحمة الله عليه) بجمع وترتيب المقاطع الأدبية والبلاغية الفريدة من كلام أمير المؤمنين وأسماها نهج البلاغة. أي طريق وسبيل البلاغة.

يقع نهج البلاغة في ثلاثة أقسام: الخطب والكتب (الرسائل) والحكم. وكبار العلماء الشيعة والسنة يقرّون بأن نهج البلاغة هو من أفضل الكتب الإسلامية من بعد القرآن وروايات النبي، وهو معروف بأخي القرآن. والإمام علي (ع) نفسه كان من أشد المتمسكين بالقرآن من بعد النبي حتى قال رسول الله فيه: “علي مع القرآن والقرآن مع علي”.
يقول الشيخ محمد عبده ـ مفتي وعميد جامعة الأزهر في مصر سابقاً ـ في شرحه لنهج البلاغة بأنه عرف نهج البلاغة “صدفة ومن غير تعمّد” وأنه يأسف كثيراً لإهمال هذا الكتاب والغفلة عن مكانته العظيمة والحرمان من علومه المفيدة.
أجل، نهج البلاغة كتاب كأنّما زيّن الله تعالى كلماته بلآلئ من آيات قرآنه. ونهج البلاغة في الواقع مرآة القرآن وقبس منه. يقول الإمام علي (ع) نفسه: “ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير”.

نرجو أن يُكتب لنا بحسن العاقبة في ظل القرآن والحديث والسير على خطى القرآن وأهل البيت ـ عليهم السلام ـ وأن تتنوّر قلوبنا جميعاً بنور القرآن ونهج البلاغة وأن نسعد في الدنيا والآخرة بالعمل بالقرآن والحديث.
وأخيراً أتمنى التوفيق للأخوة والأخوات الذي سجّلوا أسماءهم في مؤسسة القرآن ونهج البلاغة ممن سيعمل على حفظ وفهم وترجمة القرآن ونهج البلاغة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

——————————
(12) سورة الإسراء، الآية 26
(13) سورة الأحزاب، الآية 33
(14) سورة الإنسان، الآيتان 8 و9
(15) سورة النجم، الآيتان 3 و4
(16) سورة الإنسان، الآية 8
(17) سورة آل عمران، الآية 61
(18) بحار الأنوار، ج 39، ص 205
(19) بحار الأنوار، ج 92

 

 

_______________________________________________________________________________________________________________________________________________

الصفحة الرئيسية – مؤسسة القرآن و نهج البلاغة

علی رضازاده جویباری

خطبة و كلمات. خطبة و كلمات. خطبة و كلمات. خطبة و كلمات. خطبة و كلمات. خطبة و كلمات. خطبة و كلمات. خطبة و كلمات. خطبة و كلمات. خطبة و كلمات.

المزيد: